القصة الكاملة عن النشاط السياسي لدوستيويفسكي حتى القبض عليه

لو كنت تعتقد أنك تعرف دوستيويفسكي معرفة حقيقية، فحتماً أنت مخطيء، وهذا ما سوف تكتشفه بعد أن تقرأ تلك المقالة التي كتبتها لك لكي تتعرف من خلالها على ذلك الجانب السياسي  الخفي من حياة دوستيويفسكي.
النشاط السياسي لدوستيويفسكي

أسرار لم تكن تعرفها عن دوستيويفسكي الناشط السياسي واعتقاله


اشتهر الأديب الروسي وعرفه الجميع بكتاباته التي تسبر أغوار النفس الإنسانية لكنك لم تعلم عن حياته السياسية غير القليل.
وسوف نوضح لك في تلك المقالة كيف انضم دوستيويفسكي لجماعة سياسية وما هي أنشطته داخل تلك الجماعة وكيف تم القبض عليه؟ و ما هي توجهات دوستيوفيسكي السياسية؟ ادعوك أن تستمر في القراءة ستجد المعرفة والمتعة.

لمحة عن الوضع السياسي في روسيا القرن التاسع عشر

في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر تعرف الشعب الروسي على معالم الحضارة والثقافة الأوروبية والتي انبهروا بها فبدأت تتشكل جمعيات تهدف إلى وضع برامج تنص على إلغاء العبودية وإبطال العقوبات الجسدية ومقاومة نظام حكم الكسندر الأول. 

في بادئ الأمر كانت تلك الجمعيات علنية ثم أصبحت سرية مثل جمعية اتحاد الشمال وجمعية اتحاد الجنوب وجمعية اتحاد السلافيين وكانت تضم النبلاء وكبار الموظفين والادباء والمثقفين.

بعد اعتلاء الإمبراطور نيقولا الأول العرش في روسيا قامت ضده ثوره أدت الى اضطرابات دامية في 14 ديسمبر عام 1825 م وتغلب خلالها الحرس الإمبراطوري على الثوار وتم إعدام البعض ونفي البعض الآخر إلى سيبريا.

ولكن رغم الفشل الذي أصاب الثورة والثوار إلا  أن الحركات والاضطرابات الاجتماعية لم تتوقف وجعلت القيصر يوافق على بعض الإصلاحات، ولكن منذ ذلك الحين أصبح أعضاء تلك الجمعيات ومنهم دعاة الثقافة وتبني مبادئ الحضارة الأوروبية مشوهين في نظر السلطات.

إنضمام دوستيويفسكي للنشاط السياسي

قام موظف في وزارة الخارجية يدعى بيتراشفيسكي بإنشاء إحدى الجماعات الثورية، انضم لها العديد من الشباب والأدباء والمثقفين والموظفين المتحمسين للإصلاح.

لم يكن لجماعة بيتراشفيسكي نظام أو  برنامج منظم تقوم به، بل كل ما كانوا يفعلونه هو الاجتماع لمناقشة آخر الأخبار السياسية والأدبية وينتقدون نظام الحكم ويعبرون عن أنفسهم واستيائهم من الوضع السيء الذي يعيش فيه الشعب من قمع الحريات والتفكير.

في شهر مايو من عام 1846 تعرف دوستيويفسكي على بيتراشفيسكي في بعض اللقاءات عقب نجاح روايته الفقراء، بيتراشفيسكي هو الذي أنشأ الجمعية ولكنه لم يظهر يوم الجمعه من كل أسبوع في تلك الندوات والإجتماعات التي تقيمها الجمعية إلا بعد مرور عام على ذلك اللقاء، وأعجب كثيرا بحماسة هؤلاء الشباب.

من أهم الدوافع التي جعلت دوستيويفسكي ينضم لجماعة بيتراشيفسكي والنشاط السياسي هو عزلته عن الناس والتي جعلته يشعر بالحاجة إلى التفاعل مع الآخرين والتعرف على ما يحدث حوله من أحداث، ولقضاء وقت فراغه الكبير فهو عاطل وليس لديه ما يهتم به.
من وقت لآخر أصبح دوستيويفسكي يتردد على الجمعية للإستماع إلى الأحاديث التي تناقش آلية تطبيق النظام الإشتراكي، بل وبدأ يشارك في عمل الجمعية من أحاديث وإلقاء للخطب.
ومما زاد في انخراط دوستيويفسكي في نشاط الجمعية السياسي أنه كان في تلك الفترة يعاني من الضعف والمتاعب النفسية بسبب مرضه العصبي، والذي زاد من الطين بلة هو إخفاقه المتكرر في كتاباته الأدبية والتي تعرضت للنقد اللاذع.

وبسبب عدم الإتزان النفسي والمتاعب تلك، بدأ دوستيويفسكي يظهر في عدة مرات كخطيبا في وسط الجمعية وأمام الأعضاء ويهاجم ويستنكر قوة السادة الملاك للأراضي أو ينتقد شدة النظام العسكري.

ثم أخذته تلك الدوامة في العمل السياسي بعيدا جدا عن نفسه حيث اقترح على أحد الأعضاء المتصلبين في الجمعية والذي يميل للعنف والتخريب والقتل ويدعى سبيشنيف أن يشكل مجموعة صغيرة من أربعة أو سبعة أفراد فقط، للقيام بأعمال خاصة وكذلك أشار عليه بإمكانية الحصول على مطبعة سرية لتوزيع منشورات مثيرة ومهيجة للشعب.

في هذا الوقت لم يكن أمام دوستيويفسكي إلا خيار واحد وهو الإستمرار وعدم التراجع للخلف، إذ قامت ثورة عارمة ضد الإمبراطور في عام  1846م، قام بها الفلاحون العبيد ( الموجيك) ضد أسيادهم من الملاك وشكلوا سبع وعشرين حركة ثورية وقتلوا اثني عشر من أصحاب الأراضي.

ثورة الفلاحين في روسيا


في عام 1848 م قام الفلاحون بثورة عظيمة وشكلوا ما يقرب من خمسة وأربعون حركة عصيان وزحفوا على سان بطرسبورغ، ولكن تمكن الجيش من إيقافهم في منتصف الطريق.

خطة القبض على جماعة بيتراشفيسكي

كان أعضاء مجلس الشيوخ على علم بكل تلك الاجتماعات لجماعة بيتراشيقسكي ولكنهم لا يولوها اهتمامهم وكان عضو مجلس الشيوخ الذي يدعى ليبيديف ينظر اليهم على أنهم مجموعة شباب ثرثارون وليسوا سوى أطفال متآمرون وأن تصرفاتهم ليست سوى العاب وحيل صبيانية.

عندما علم الجنرال "أورلوف" هناك مجموعه من الشباب والمفكرين والأدباء تجتمع في منزل الشيوعي بيتراشفيسكي كل يوم جمعة، فامر قائم الدرك العام "يبراندي" في وزاره الداخليه لمتابعه هذا الامر والتحقيق فيه.

فكر القائد يبراندي أن يدس أحد الأشخاص وسط المجموعة لينقل الأخبار، ولكن يجب أن يكون هذا الشخص على نفس الدرجة من الثقافة، وأن يبدو مؤيداً لآرائهم حتى لا يثير حوله الشكوك، فوقع اختياره على موظف يعمل بالحكومة ويدعى "أنطونيللي".

بدأ انطونيللي يحضر الاجتماعات ويشارك بالأحاديث مبديا لهم أفكاراً تحررية ويوجه النقد للحكومة والكنيسة، ويبدي اعتراضه على نظام الملاك والعبيد و قسوة النظام العسكري.

في بادئ الأمر شعر أنهم ليسوا سوى مجموعة من الشباب والأدباء الأغوار و لن يتسببون في إحداث شغب أو بلبلة، فكانت الإجتماعات مجرد مناقشات غير جادة وغير منظمة ولا تحوي أهداف ثورية.

كان انطونللي عندما يعود لمنزله يسجل بدقة وعنايه كل ما شاهده وكل ما سمعه في تلك الاجتماعات تلك التقارير ويرسلها إلى وزارة الداخلية، وينفذ التعليمات المطلوبة منه بنقل أخبار مجموعة بيتراشيقسكي أول بأول.

سجل انطونيللي في تقريره ذات يوم أن دوستيويفسكي في يوم ١٥ أبريل ١٨٤٩ م وقف وسط المجموعة بأحد الإجتماعات وقرأ الرسالة الشهيرة التي ارسلها بيلينسكي إلى غوغول وهي رسالة كراهية قوية ضد النظام الحاكم وضد العبودية والرق.

كما سجل في التقرير أيضا أن دوستيويفسكي في أحد الأيام قرأ لرفاقه قصيدة الإنفراد والتوحد لبوشكين والتي يقول فيها: " هل سأرى يا صديقي الشعب وقد تحرر و العبودية تزول باشارة من القيصر".

ثم توالت التقارير من انطونيللي إلى وزارة الداخلية والتي تشير إلى خطورة الموقف، حيث سجل في تقريره قراءتهم لقصة " حكاية جندي" التي كتبها غريغورييف وهي موجهة ضد الحكومة والجيش.

ثم اضاف في أحد تقاريره أن بيتراشفيسكي ألقى خطابا في أحد الحفلات وختمه بهذه العبارة: "لقد حكمنا بالموت على المجتمع الحالي والمطلوب الآن هو تنفيذ الحكم".

كما سجل في أحد المرات أن أحدهم وهو أكشاروموف تحدث بعبارات غاية في الخطورة يطلب فيها الغاء رابطة الأسرة وإلغاء الملكية والدولة والقوانين والجيش والمدن والكنائس.

القبض على فيودور دوستيويفسكي


كان انطونيللي ينقل تلك المعلومات إلى القائد يبراندي الذي كلفه بهذه المهمة وهذا الأخير بدوره نقلها إلى الجنرال أورولوف ومنه الى القيصر "نيكولا الاول" فأمر بالقبض على جماعة بيتراشفيسكي و بتطبيق عقوبات صارمة.

وفي تاريخ ٢٢ أبريل من عام ١٨٤٩ م تم إلقاء القبض على فيودور دوستيويفسكي من منزله ليلاً، وتم اقتياده واحراز كل ما لديه من كتب وأوراق في الغرفة، و تم إيداعه في السجن حتى يخضع للتحقيقات.

آراء وتوجهات دوستيويفسكي السياسية

اعترف دوستيويفسكي بعد ذلك في التحقيقات انه لم يقصد اي اساءة للقيصر فهو في الحقيقة لم يكن  ثورياً بأي شكل من الأشكال، و لم يريد إنقلابا للحكم و لم يحلم بتغيير إجتماعي بل كل ما كان يدعو إليه هو التطور والتكيف المعقول، وقد صرح بذلك قائلا " إن الشعب الروسي لن يسير على آثار خطى الثوريين الأوروبيين".

من أحد أقواله عن اشتراكه في أعمال النشاط السياسي" إني لم أجد شيئا اكثر عبثيه من التصور بأن يكون لروسيا حكومة ثورية، وجميع الذين يعرفونني يعرفون أيضأ آرائي بهذا الموضوع.

كان دوستيويفسكي يعتنق مبدا تحرري وهو تحسين أوضاع الفلاح وإعادة النظر في قوانين الرقابة ولفت انتباه القيصر الى بؤس بلاده الشديد، و يرى أن على الروس أن يلتفتوا إلى تاريخهم ويعلموا منه التعاليم التي تحقق لهم الأمن والتطور والسلام.

شجب دوستيويفسكي الإشتراكية والليبرالية واعتبرها الحاداً وإهانة للمجتمع ككل، كما رفض أيضا الأنظمة التقليدية كالإقطاع والأوليغارشية، واحتقار أفكار الثورة العتيقة.
يمكنك عزيزي القاريء ان تحصل على معلومات أكثر عن آراء دوستيويفسكي السياسية 

خاتمة
قدمت لكم في تلك المقالة معلومات عن النشاط السياسي لدوستيويفسكي حتى القبض عليه، والدينا لمحة عن الحالة السياسية في روسيا القرن التاسع عشر، ووضحنا في تضاعيف المقالة كيف انضم دوستيويفسكي لجماعة سياسية وما هي الأنشطة التي قام بها وجعلته في قبضة الحكومة.
و إن كنت عزيزي القاريء وصلت إلى هنا فأنت اكيد من الذين يحبون المعرفة و إن كنت تريد أن تقرأ أكثر  نرشح لك دوستيويفسكي وإصابته بالصرع.

مصادر
تم تجميع محتوى المقالة من 

كتاب دوستيوفيسكي حياته وأعماله_ تأليف هنري ترويا_ ترجمة على باشا

رحاب يعقوب عباده
رحاب يعقوب عباده
تعليقات