سنوات الجحيم العسكري، كيف عانى دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية

 سنوات الجحيم العسكري، وكيف عانى دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية، كانت سنوات التعليم في الأكاديمية العسكرية في مدينة سان بطرسبورج بالنسبة لدوستيويفسكي هي الأشد إيلاماً وقسوة على نفسه، فما الذي تعرض له؟ وهل تكيف مع تلك المعاناة؟
معاناة فيودور دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية

مشاهد من معاناة فيودور دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية

مشاهد من معاناة فيودور دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية، كانت حياة دوستيويفسكي قبل وفاة والدته ومن بعدها الإلتحاق بالمدرسة أو الأكاديمية العسكرية تتسم بنوع من الإستقرار والهدوء، لكن بعد موت الأم و إنضمامه إلى عالم العسكرية بدأت حياته يشوبها القلق والمعاناة والإضراب.

بعد وفاه الأم قرر والد فيدور دوستيوفيسكي إرساله هو وأخوه ميشيل الى مدرسة الهندسة العسكرية في مدينة سان بطرسبورج لأن بعدها الطالب يستطيع أن يصبح ضابطاً أو مهندساً.

وبالفعل تم قبولهما في المدرسة الداخلية العسكرية الخاصة في سان بطرسبورغ وكتب رسالة لأبيه يقول فيها:

" لقد قبلت أخيرا في مدرسة المهندسين وقد ارتديت البزة العسكرية الرسمية ودخلت في خدمة الدولة "

لكن بعد ذلك أدرك فيودور دوستيويفسكي أن تلك الخطوة كانت بمثابة غلطة كبرى وأنها تدمير لمستقبله الذي كان يرجوه في عالم الأدب، وبدأت تأتيه الآلام والمعاناة تترى إما فرادى أو مجتمعة ومنها:

نظام دراسي عسكري مشدد

كان جميع طلاب المدرسه تتراوح أعمارهم من 14 عاما إلى 19 عاما م ويخضعون في الأكاديمية لنظام دراسي قاسٍ وشدد فكان الطلاب يدرسون العديد من العلوم مثل:

الجبر والهندسة والفيزياء والجغرافيا والأدب والتاريخ بالاضافه الى التدريبات العسكرية، وكذلك رسم المخططات وغيرها الكثير من الفنون العسكرية والتدريبات القتالية.

و كان يُفرض على هؤلاء الطلاب الانضباط شديد القسوة والتدريب على الصعاب في الظروف القاسية كما كانوا يتعرضون للجلد بالسوط كنوغ من التدريب أحيانا أو العقاب أحيانأً أخرى.

رحيل أخوه ميشيل

من الوقائع المؤلمة لدوستيويفسكي في سنوات الدراسة والعسكرية تلك اللحظة التي فرقت بينه وبين أخيه ميشيل، فعندما جاء موعد الإختبار اجتاز فيودور الإمتحان بنجاح أما أخوه فقد فشل لأسباب صحية.

اضطرت إدارة الأكاديمية إلى إرسال ميشيل إلي ملحق آخر لها حتى يتابع الدراسة هناك وكان لهذا الفراق تأثيره السلبي على نفس فيودور لما كان بينهما من صداقة وكان ميشيل بالنسبة له هو الرفيق العطوف والمحب.

الإنطواء والوحدة وعلاقته بأقرانه

حزن دوستيويفسكي بشدة لفراق أخيه مما جعله ينطوي إلى نفسه وينوزي بعيدا عن رفاقه في المدرسة لأنه كان يرى أنهم لا يمتلكون فكراً أو عقولاً يشجعه على التعامل معهم.
معاناة دوستيويفسكي بعد فراق اخوه


لذا ابتعد عنهم لسذاجتهم وقضاء فراغهم في اللعب واللهو فيما لا يفيد وتطور الأمر معه حتى أصبح يجد صعوبة ومشقة في الإتصال بهم وكان يتحاشي الإقتراب من الأساتذة الضباط الذين يدرسون له.

بمرور الوقت إعتاد فيودور على حياته المضطربة في الأكاديمية ونظم حياته فيها على الوحدة والعيش منفردا يتحمل الهموم والمصائب ولا يعترض على أي تكليف يتم توجيهه له.

أثناء الإستراحة كان يلجأ إلى فتح نافذة غرفته التي تطل على نهر الفونتانكا ويسترسل في القراءة بعيدا عن الجميع وكان أقرانه يشبهونه في عزلته وتدينه وميوله الغريبة بالراهب الأرثوذكسي فوتيوس Photius.

بعد فترة من الوقت إنجذب إليه بعض الطلاب وتقربوا منه ليستمعوا منه الشعر ويتحدثوا معه في المثل العليا وتعلموا منه القراءة، حتى كان الواحد منهم يتذرع بالمرض حتى يجد الفرصة للجلوس مع فيودور وهو يقرأ الشعر والنثر .

معاناة دوستيويفسكي مع الفقر

كانت أشد فترة وأقساها على دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية هي فترة مناورات كرازنوي و بيترهوف، فهو لم يكن في حوزته أى نقود ليشتري ما يروي عطشه أثناء التدريب والمناورات.

وكانت السماء تمر أثناء المناورات فلا يجد معه ما يشتري به كاساً من الشاي الساخن يستدفيء به أو ملابس أخرى غير تلك المبتلة، فكتب لوالده يطلب منه مبلغاً من المال قائلا:

" أرسل لي شيئاً ما. بأسرع ما يمكن، وبذلك تنقذني من جحيم أعيش فيه! كم هو فظيع أن يشعر الإنسان بالحاجة....! "، وكذلك كتب له يستعطفه بقوله:

" أبي العزيز آلطيب، لا تعتقد أن ابنك عندما يطلب منك مساعدة مالية، إنه يطلب منك ما يزيد عن حاجته..!

أصيب فيدور باليأس والإحباط الشديد عندما أرسل له والده فقط مبلغ 35 روبيلا ولم يكتف بذلك بل كتب له أنه فقير ومحتاج وليس لديه مالاً، والحقيقة أن الرجل بخيل جداً ولم يعد يكترث لأحد و استسلم لليأس وتناول الكحول بعد موت زوجته.

لم يجد فيودور دوستيويفسكي من أحد يشكو إليه أمره وحاجته سوى أخيه ميشيل فكتب له يقول:

" أنت تشكو الفقر يا أخي ولكني أنا لست غنياً أيضاً، وهل تصدقني إذا قلت لك إني طوال فترة المناورات لم يكن في جيبي كوبيك واحد!!، " إنه لأمر محزن أن يعيش الإنسان من دون أمل، يا أخي!!.

الرسوب في الإختبارت العسكرية

من أشد اللحظات التي آلمت دوستيويفسكي تلك التي رسب فيها في الإختبار بأحد السنوات، ففي أحد الأختبارات لم يحصل دوستيويفسكي على درجات إذ رسب هذه المرة وكتب لأخيه ميشيل يقول له:

"لم أنجح ولن أرتقي الى الصف الأعلى! إنه لأمر فظيع ... سنة أخرى أيضا، سنة بطولها إضافية عليّ أن أعمل خلالها".

وعن هذا الرسوب يقول دوستيويفسكي أن أحد مدرسي مادة الجبر أسقطه متغمدا وظلماً في الإمتحان وأن هذا المدرس بالأساس مكروها من الجميع، وكتب خطاباً لأبيه وفيه بيانا مفصلا بعلاماته.

و قال لأبيه أن هنالك طلاب كانت إجاباتهم أقل جودة من إجاباته وقد نجحوا لأنهم يتمتعون برعاية وحماية بعض المسؤولين في المدرسة، واستنتج من ذلك أن سقوطه كان وراءه نية سيئه مُبيتة دفعت اللجنة لاتخاذ قرارها بالرسوب.

ذات يوم تم إرسال دوستيويفسكي في خدمة عسكرية إلى الدوق الأكبر " ميشيل بافلوفيتش" ونسي حينها أن يبدأ تقريره أمام الدوق بعبارة " إلى صاحب السعادة و الإمبراطورية " فصاح الدوق الأكبر بقوله يا لهم من مغفلين، هؤلاء الذين يرسلونهم لي!" .

في هذه الفترة أصبح دوستيويفسكي بائساً وتعيساً بسبب الحزن الشديد على الرسوب في الإمتحان و فشله في التكليف الذي كُلف به ونتيجة لذلك أصيب بالمرض ولزم السرير عدة أيام.

كان فيودور دوستيويفسكي في فترة ما يجتاز الإختبارات بدرجة جيدة وحصل على رتبة المرشد و ارتدى البزة العسكرية ورغم ذلك كان يحتقر استخدام السلاح.

نبأ قتل والده وإصابته بالصرع

في ظل الحياة البائسة التي كان يعيشها دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية والتي كان يشوبها الفقر والحرمان وشدة الإحتياج للنقود، إذ جاءه خبر مقتل والده على يد ثلاثة من العمال.

بعد حادثة موت والد فيودور دوستيويفسكي  تعرض دوستيوفيسكي لحالة من الصرع نظرا للحزن الشديد الذي عاش فيه بعد فقدان الأب وما يترتب على ذلك من حرمانه من النذر القليل من المال الذي كان أبوه يمده به.

كيف تغلب دوستيويفسكي على معاناته في العسكرية

كانت الكتب ورسائل أخيه هي عزاؤه الوحيد فقد كان فيودور كثير الإطلاع والقراءة لكثير من أعمال العديد من الكتاب فقد قرأ جميع مؤلفات بلزاك وقرأ أيضا فاوست لجوته وبعض قصائده القصيره.

كما قرأ كتابات فيكتور هيجو وأعمال شيلر الذي كان له تأثير كبير عليه فقال عنه "لقد حفظت أعمال شيلر غيبا وكنت أتكلم شيلر وأحلم شيلر"، كما قرأ مسرحيات راسين وكورنيل، وكان مهووسا بغوغول ومؤلفاته.
معاناة دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية



وكان فيدرو يسلي نفسه ببعض الأشعار التي كان يكتبها أخوه ميشيل ويرسلها له وكانت قصائد ميشيل تسير الحماسة في نفسه فكتب له ذات مرة" قرأت أشعارك فأثارت بعض الدموع في عيني وهدهدت روحي لبعض الوقت.

وقال عنه المراقب العام في الأكاديمية في ذلك الوقت والذي يدعى سافوليف " إنه كان يمكن رؤية دوستيويفسكي جالساً في عز الليل أمام منضدة صغيرة حافي القدمين وهو يقرأ على ضوء مصباح صغير معلق على حامل".

وإذا أردت أن تعرف أكثر ارشح لك

خاتمة
 سنوات الجحيم العسكري، وكيف عانى دوستيويفسكي في الأكاديمية  و مشاهد من معاناة فيودور دوستيويفسكي في الأكاديمية العسكرية هي مقالة تناولنا فيها المعاناة التى عاشها دوستيويفسكي أثناء تعليمه في الأكاديمية العسكرية أو مدرسة المهندسين.
وعرضنا في المقالة لبعض المواقف والمشاهد التي تبرز تلك المعاناة مثل نظام الدراسة القاسي والرسوب، و رحيل ميشيل ، وكذلك حالة الفقر والحرمان وموت الأب والإصابة بالشرع.

المصادر
تم تجميع محتوى المقالة من كتاب دوستيوفيسكي _حياته _ واعماله 
تأليف هنري ترويا
ترجمة علي باشا


رحاب يعقوب عباده
رحاب يعقوب عباده
تعليقات