
وليامْ شكسبيرْ عبقريةَ المسرحِ والأدبِ الغربيِ
ومنْ المخيبِ للآمالِ أننا لا نعرفُ عنْ نشأةِ وحياةِ شكسبيرْ الكثيرَ ، حيثُ لا تتوفرُ المصادرُ التاريخيةُ التي تثبتُ الكثيرَ منْ الادعاءاتِ حولَ حياتهِ ، ولكنْ تبقى آراءَ النقادِ ومؤرخو الأدبِ هيَ الفيصلْ الوحيدُ أمامنا للتعرفِ على شكسبيرْ عنْ قربٍ
نشأة وحياة وليم شكسبير
كانت نشأة الأديب المسرحي وليم شكسبير غير معروفة بصورة يقينية فقد اختلفت الآراء حول عائلة شكسبير فهناك من يقول إنه نشأ في عائلة متوسطة الحال وآراء تقول إنه نشأ في ثراء و-على أية حال- فقد ولد وليام شكسبير في السنة السادسة من حكم الملكة إليزابيث الأولى،- والد شكسبير هو جون شكسبير وكان يعيش فى مدينة استرات فرن ومن المفترض أنه كان صانع قفازات بالإضافة إلى أنه كان يعمل أيضا بالتجارة فكون من وراء هذا العمل نوعا ما من الثراء.
- اما والدة شكسبير فكانت تدعي ماري آردن وكانت تنتمي إلى عائلة تعمل بالزراعة، ويقال أنها كانت ذات نسب ارفع من جون شكسبير وعلى قدر من الثراء أفضل من زوجها.
- التحق شكسبير بمدرسة استيراد فورد الثانوية المحلية في ستراتفورد أتون آفون، والتي كانت تهتم بالترجمة وتدريس قواعد اللغة اللاتينية، وفى تلك المدرسة بدأت رحلة التعليم و التى كانت لها دور أساسي فى تشكيل ملامح وعبقرية شكسبير الأدبية.
- كانت اللغة اللاتينية في ذلك الوقت من حياة شكسبير هي المستخدمة فى كل المعارف في العصر الإليزابيثي، و بالطبع فإن أي شخص يعرف اللاتينية ويهوى الأدب فإنه يكون قد اطلع على كتابات شعراء العصور القديمة مثل فيرجيل وأوفيد.
- يقال إن شكسبير ترك المدرسة في سني مراهقته واشتغل عاما أو عامين برفقة والده وربما قام بالسرق فتم اعتقاله لهذا السبب، وهذه تكهنات لم يثبت مدى صحتها عن شكسبير.
زواج ويليام شكسبير
في عام ١٥٨٢م، تم الإعلان عن زواج شكسبير بامرأة من أهالي بلدته تدعى آن هاثاواي، ويقال أن زوجته آن كانت أكبر منه بثمان سنوات، وهذا يفيد أنهما تزوجا عندما كان شكسبير في الثامنة عشرة من عمره، وآن في السادسة والعشرين.
وكان ذلك الزواج فى تاريخ ٢٧ من نوفمبر عام ١٥٨٢م، وقد تم هذا الزواج بسرعة لأنه يقال أنه كانت هناك علاقة غير شرعية بين شكسبير وآن نتج عنها أن آن أصبحت تحمل جنين بين أحشائها.
أنجب شكسبير من زوجته آن ثلاثة أطفال وهم؛ سوزانا وهى التى ولدت عام ١٥٨٣م، والتوأم هامنت وجوديث، ولكن للأسف، توفي هامنت وهو في سن الحادية عشرة، وهو حدث كان له تأثير كبير على شكسبير وظهر ذلك فى كتاباته.
تزوجت سوزانا الابنة الكبرى لشكسبير من الطبيب جون هول في عام ١٦٠٧م، وأنجبت منه ابنة واحدة وهى إليزابيث.
أما جوديث وهى الابنة الثانية لشكسبير فقد تزوجت من توماس كويني عام ١٦١٦م، ولكن زواجها لم يكن سعيدًا، حيث اتضح لاحقًا أن كوينى كان قد أنجب طفلاً غير شرعي من امرأة أخرى قبل زواجه من جوديث.
السنوات المفقودة من حياة شكسبير
هناك العديد من النظريات عن السنوات المفقوده من حياة شكسبير ولا يعرف عنه شىء خلال تلك السنوات وهى أول سنوات تكوينه الأدبي بين العامين ١٥٨٥م و١٥٩٢م وهي السنوات التى تكونت فيها الملامح الشخصية لشكسبير الأديب المسرحي.
فهناك من النقاد من يقول أنه قد غادر بلده ستراتفورد وحصل على وظيفه معلم مدرسة ريفي،وهناك نظرية أخرى عن تلك السنوات المفقودة كما يقال تفيد أنه كان في شمال انجلترا يعمل معلما لأسرة كاثوليكية نبيلة.
أما النظرية الثالثة فمفادها أنه التحق بفرقة مسرحية جوالة واكتسب المهارات المسرحية الواضحة حتى في مسرحياته المبكرة وهذا هو القول الأعم والراجح من جملة الأقوال السابقة لدى النقاد.انتقال شكسبير إلى لندن ورحلة المسرح
كان شكسبير فى شبابه مثل كل أقرانه يتمتع بالطموح ويمتلك نفسا تتوق لإكتشاف كل جديد، فعزم أمره أن يرحل إلى لندن، وكانت مدينة لندن فى ذلك الوقت تمثل مركزا هاما من مراكز الثقافة فى العالم، ومركزا للإبداع المسرحي والفني والادبي.
كما كانت مدينة لندن فى ذلك الوقت أى فى آواخر ثمانينيات القرن السادس عشر هى ملجأ ومقصد كل مَن يريد أن يعمل ويبدع فى المجال المسرحي والأدبي أو الفني عامة، حيث كانت تنتشر في شوارعها المسارح على ضفاف نهر التايمز وتتمتع بحرية الإبداع، فانطلق فيها شكسبير وبدأ رحلته الادبية والمسرحية وفى داخله أمل بمستقبل مشرق.
وفى شوارع لندن كانت بداية شكسبير حيث كان يعمل في باديء الأمر فى أحد المسارح على مهام صغيرة مثل رعاية الخيول وتنظيم عرض المشاهد على المسرح ، لكن موهبته الفذة سرعان ما لفتت الأنظار إليه فبدأت تنسب إليه بعض الأعمال المسرحية الهامة.
في وقت قصير، وجد شكسبير نفسه عضوًا في فرقة رجال اللورد تشامبرلين المسرحية، حيث أتيحت له الفرصة الأولى لإبراز مواهبه ككاتب وممثل وبمرور الوقت استطاع شكسبير أن يثبت نفسه كأحد أعظم الكتاب المسرحيين.كيف انضم شكسبير لفرقة رجال اللورد تشمبرلين
بينما كان وليام شكسبير المسرحي البارع يسعى لإثبات موهبته في شوارع لندن الصاخبة من خلال المسارح الجوالة، بدأت الأبواب تفتح أمامه في عالم المسرح.
كانت المدينة آنذاك موطنًا لعدة فرق مسرحية، لكن فرقة "رجال اللورد تشامبرلين" كانت تبرز كواحدة من أرقى الفرق وأكثرها شهرة.
- عمل شكسبير في البداية في أدوار بسيطة، مثل رعاية الخيول وتنسيق الممثلين، حيث كان يتعلم فنون المسرح من الداخل، لكنه، وبفضل موهبته الفذة وذكائه الحاد، سرعان ما لفت انتباه القائمين على الفرقة.
- تسنت له الفرصة الأولى عندما غاب أحد الممثلين الرئيسيين بسبب المرض، فتمت دعوة شكسبير لتجربة أداءه ، وكانت تلك اللحظة بمثابة اختبار حقيقي لمهاراته.
- تألق شكسبير في الأداء، وأظهر براعة فائقة في تجسيد الشخصية، مما أثار إعجاب الجميع و من هنا، بدأت علاقته بالفرقة تأخذ منحى جديدًا، حيث أثبت جدارته ليس فقط كممثل، بل أيضًا ككاتب مسرحي موهوب.
- من اهم الشخصيات التى تعرف عليها شكسبير وكان عضوا فى الفرقة هو الممثل الموهوب ريتشارد بيرباج والذى اصبح فيما بعد صديقا مقربا لشكسبير، حيث كان الممثل ريتشارد يتمتع بموهبة فذة فى التمثيل وكان من أفضل الممثلين حينها فكان لذلك تأثيره الإبداعي على شكسبير.
- كذلك عقد شكسبير صداقات وتحالفات فنية مع ممثلين وكتاب مسرحيين آخرين آمثال هنري كونديل وجون هيمينجز، الذين ساهموا لاحقًا في نشر أعماله.
- مع الوقت، بدأت كتابات شكسبير تحظى بالاهتمام، و كان لمسرح ذا جلوب ذلك المسرح الخشبي الذى كان يتبع فرقة رجال اللورد تشمبرلين، الذي أقيم على ضفاف نهر التيمز الذي شُيِّدَ في عام ١٥٩٩م، كان عاملا أساسيا ومحوري فى مسيرة شكسبير الأدبية.
- على هذا المسرح الخشبي كان شكسبير يقدم أفضل اعماله المسرحية وأمام جمهور متنوع الثقافات، وبدأت أعمال شكسبير تظهر للنور وتوضح معالم رحلته الفنية والإبداعية، فقدم مسرحية روميو وجولييت وكذلك مسرحية تاجر البندقية وغيرها فحقق نجاحا لا مثيل له وأثار إعجاب الجماهير.
- أصبحت فرقة رجال اللورد تشامبرلين منصة لإطلاق أعماله، وسرعان ما تحول شكسبير إلى عضوا أساسيا في الفرقة، كانت تلك الفرقة، التي تحولت لاحقًا إلى رجال الملك بعد تتويج الملك جيمس الأول،
- ومع مرور السنوات، أصبح اسم وليام شكسبير يتردد في كل أرجاء لندن، كأحد أعظم الكتاب والمسرحيين في زمنه، واستطاع أن يحول أحلامه إلى واقع، ويترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأدب والمسرح العالمي.
أهم أعمال شكسبير الأدبية والمسرحية
ترك شكسبير حوالي ٣٩ مسرحية والعديد من الأشعار وكذلك كتب السونيتات والتي يبلغ عددها ١٥٤ سوناتة، كما كان لشكسبير العديد من القصائد الطويلة مثل فينوس أدونيس وايضا اغتصاب لتكريس.
وكل تلك الأعمال قد ابدع فيها شكسبير فى إظهار قدراته الفنية والأدبية واستخدامه الألفاظ والكلمات وتوظيفها فى تطوير اللغة وابتكار الصور الشعرية، وكل تلك العوامل يرجع لها تفسير شهرة شكسبير.
و يمكن تقسيم مسرحيات شكسبير إلى ثلاثة أنواع رئيسية هى:
- المآسي الكبرى و التى تشمل أشهر مسرحياته مثل هاملت و عطيل و ماكبث والملك لير، وتلك الأعمال المسرحية شكسبير تتناول قضايا إنسانية مثل الطموح، والخيانة، والجنون، والانتقام.
- المسرحيات الكوميدية و التى تضم مسرحيات مثل حلم ليلة صيف، و تاجر البندقية، وجعجعة بلا طحن، تتميز هذه الأعمال بالحبكة المعقدة، والشخصيات الكوميدية، والنهايات السعيدة.
- المسرحيات التاريخية و التى تحتوي على مسرحيات مثل هنري الخامس، وريتشارد الثالث، والملك جون، نجد ان تلك الاعمال لشكسبير تركز على الأحداث التاريخية والشخصيات السياسية في إنجلترا.
تأثير شكسبير على الأدب الإنجليزي
تأثير شكسبير على الأدب الإنجليزي لا يمكن تجاهله حيث يُعتبر شكسبير حجر الزاوية في الأدب الإنجليزي، ويمكن الإشارة إلى تأثيره فى النقاط التالية:- أثر بشكل كبير على اللغة الإنجليزية نفسها حيث أدخل العديد من الكلمات والعبارات التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم.
- كان شكسبير يتناول فى مسرحياته وأعماله الادبية مواضيع لها صلة بالحياة العامة والإجتماعية والسياسية الأمر الذى جعل أعمال شكسبير لا تزال حاضرة على المسارح حتى اليوم بل ويتم تدريسها فى الجامعات.
- وكذلك كان لشكسبير تاثير على عدد لا يُحصى من الكتّاب والشعراء من بعده، ويمكن ملاحظة تأثيره في أعمال العديد من الأدباء الكبار مثل جون ميلتون، وتشارلز ديكنز، وتوماس إليوت، فقد تأثر هؤلاء الكتاب بإسلوب شكسبير فى عرض الشخصيات والبناء الفني للعمل الأدبي.
- امتد تأثير شكسبير إلى ما وراء الأدب ليظهر فى صورة تأثير ثقافي ليشمل الفنون البصرية، والمسرح، والسينما، و كانت مسرحياته يمكن أن يتم تاديتها وتمثيلها وعرضها في أشكال مختلفة من وسائل العرض الفنية، بما في ذلك الأوبرا، والباليه، والسينما.
- من أهمية مؤلفات شكسبير كانت تمس الحياة العامة فقد اخذ الناس منها العديد من الاقوال والعبارات والتى اصبحت اقتباسات تمثل الثقافة الشعبية حينها، واتشهدوا بها فى مختلف المواقف الحياتيه الخاصة بهم من السياسة والفن وحتى التجارة والحياة الخاصة، فأصبحت أقوال شكسبير رفيقة لهم فى كل مناحي الحياة.
الدين فى أعمال شكسبير
الدين فى مسرحيات شكسبير لا وجود له فقد تعمد تجاهل الدين والابتعاد تماما عن موضوع الدين في مسرحياته لأنه كان حينها موضوع ملتهب من الناحية السياسية والدينية.يقال أن جون شكسبير والد شكسبير كان يميل لإعتناق الكاثوليكية، أما عن شكسبير نفسه فقد كان كغيره من أفراد المجتمع يسير سيرا حذرا على رؤوس أصابع قدميه بين المعتقدات الكاثوليكية والبروتستانتينية إلا أن البعض يقول حينها أو يزعم أن شكسبير كان طول حياته كاثوليكيا في السر.
كانت انجلترا التي ترعرع فيها ما تزال تعاني آلام الاضطرابات التي خلفها حكم الملكة السابقة إليزابيث الأولى التي وصفت بالدموية حيث كان الإيمان حينها بالبروتستانتينيه يشكل خطرا كبيرا.
بينما في عهد الملكه اليزابيث كان الإيمان بالكاثوليكية محفوف بالمخاطر العظيمة، وخلافا لذلك فقد كانت الأمور ملتهبة على من سيتولى خلافة العرش بعد وفاة الملكة .
لذلك لا نجد في مسرحيات شكسبير أى شىء يدل على توجهات دينية وخاصة المسرحيات التاريخية و التى اقتصر فيها الأمر على البحث عن أفضل وسيلة لإحلال الملك محل آخر.
السنوات الأخيرة من حياة شكسبير ورحيله
كانت السنوات الاخيره من حياة شكسبير بعيدة تماما عن الأضواء ففي عام ١٦١٣م، بعد حريق مدمر في مسرح "ذا جلوب"، الذي كان مركز نشاطه المسرحي، بدأ شكسبير تدريجيًا في التراجع عن الحياة العامة في لندن.- في العام ١٦١٦م وفي ذروه نشاطه الأدبي كان شكسبير ما يزال في الأربعينيات من عمره واسع السراء فغادر لندن وعاد ليعيش عيشة السادة النبلاء في مسقط رأسه ستراتفورد، حيث كان يمتلك منزلًا كبيرًا يُدعى "نيو بليس"،
- كان شكسبير يمتاز بانه شخصية ناجحة على الصعيد الأدبي والمسرحي ثم اضاف إلى ذلك نجاحه فى مجال التجارة، لكنه بعد أن غادر لندن في هذه الفترة، تفرغ شكسبير لشؤون الأسرة والعقارات، وابتعد عن الأضواء المسرحية.
- لكنه للأسف لم يعيش طويلا فقد كان رحيل شكسبير سريعا فى عام 1616 م وربما كان سبب وفاته اصابته بالمرض، كان موته مفاجئًا، ويعتقد بعض المؤرخين أن السبب قد يكون نتيجة حمى تيفودية، لكن لا توجد أدلة قاطعة على ذلك.
- وهناك ترددت شائعات عن موته وإن كانت غير محتمله تفيد أن سبب موته في وقت مبكر من حياته هو إدمانه على تناول الكحول.كانت وفاة وليام شكسبير في 23 أبريل 1616م، في سن الثانية والخمسين. دفن في كنيسة الثالوث المقدس في ستراتفورد، حيث يمكن للزوار اليوم رؤية قبره ونصب تذكاري له.