
إذا أتممت قراءة المقالة فكأنك عايشت رحلات وأسفار أفلاطون وشاركته رحلتة إلى ميغارا وقورينا ومصر وإيطاليا وصقلية، سوف تخوض معه رحلة البحث والإكتشاف ومحاولات تحقيق أحلامه الفلسفية، سوف تتعرف من خلال المقالة كيف أثرت كل زيارة على أفكار أفلاطون السياسية و الفلسفية، فأبقوا معنا!
رحلات أفلاطون خارج أثينا وتأثير ها على أفكاره السياسية و الفلسفية
بعد أن حكمت الحكومة الديمقراطية الأثينية بإعدام سقراط عام 399 ق.م، خاب ظن أفلاطون في إصلاح تلك النظم السياسية ويأس منها ورأى أنها فاسدة ويمكنها أن تحكم بالباطل على أي شخص.
ولأن أفلاطون هو التلميذ المقرب من معلمه سقراط و ممكن أن يطاله الإتهام لذا قرر الخروج من أثينا خوفاً من الإضطهاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى رأى أن الفلسفة وحدها يمكنها أن تحقق العدل والصواب، ولن ينتهي البؤس إلا بوصول الفلاسفة للحكم لذا قرر الرحيل للبحث عن الحكمة والفلسفة.
ومن أهم تلك الرحلات التي قام بها أفلاطون:
رحلة أفلاطون إلى ميغارا:
كانت مدينة ميغارا اول وجهة اتجه لها افلاطون بعد خروجه من أثينا، مكث بها نحو ثلاث سنوات، التقى فيها مع بعض أصدقائه في منزل اقليدس الميغاري وهو أحد تلامذة سقراط ومؤسس المذهب الميغاري الذي يهتم بالمنطق.
كانت تلك الرحلة هي بداية أفلاطون المفكر والمستقل وتعلم من اقليدس الميغاري علم المنطق الجدلي و هو الإسلوب الذي اتبعه أفلاطون في كتابة المحاورات بعد عودته.
وفي كتابه الجمهورية ذكر أفلاطون اقليدس وصوره راوياً لمحاورة بعنوان "ثياتيتوس" وفيها أن اقليدس الميغاري دعا غلامه وأمره بأن يقرأ ذلك الحوار الذي كان قد دونه أيام كان يلتقي سقراط في مدينة أثينا.
رحلة أفلاطون إلى مصر Egypt
بعد المدة التي أقامها أفلاطون في ميغارا رحل إلى مصر و مكث بها سنة واحدة تقريبا بين عامي 398 - 397 قبل الميلاد، ومدينة ممفيس هي أول مدينة وطأها بقدمه عند دخول مصر، ثم مر على مدينتي هليوبوليس و تيبس( طيبة).
انبهر أفلاطون بالحضارة المصرية القديمة، و خاصة الترتيب والنظام الطبقي للمجتمع المصري القديم و اعتبرها أُولى الحضارات على الأرض منذ القِدم ولم تسبقها أي حضارة أخرى.
وخلال تلك الرحلة التقى أفلاطون بالكهنة المصريين وتعرف منهم على العقائد الدينية في مصر القديمة و علم الرياضيات، وقد أثرت تلك الزيارة لمصر على فكر أفلاطون الفلسفي وخاصة في نظريته عن النفس، وترتيب طبقات المجتمع وظهر ذلك التأثير في كتابه الشهير الجمهورية.
ومثلما قال المؤرخ هيرودوت أن المصريين هم أول من تحدثوا عن خلود الروح فقد ذكر أفلاطون ذلك أيضا في المحاورات و تحديدا في محاورة فيدون.
رحلة أفلاطون إلى قورينا Cyrene
مدينة قورينا هي مدينة إفريقية تقع في شمال إفريقيا (ليبيا حاليا) وكانت حينها تعرف على أنها مركز ثقافي وعلمي مهم في مجال الرياضيات والفلسفة.
لا يوجد مصادر تاريخية تؤكد تلك الزيارة أفلاطون إلى قورينا، سوى أحد المصادر القديمة للفيلسوف المؤرخ ديوجينيس لايرتيوس في كتابه والذي أشار فيه أن أفلاطون في الغالب قد زار قورينا والتقى بالعلماء والفلاسفة هناك.
ورغم عدم توفر المصادر إلا أن المؤخين يؤكدون احتمالية ذهاب أفلاطون لقورينا نظراً لأهميتها الفلسفية والعلمية من جهة وكذلك اهتمامه بالحكمة والفلسفة الشرقية والبحث عنها.
ومن الأسباب أيضاً التي تؤكد احتمالية حدوث تلك الزيارة هو أن قورينا موطن العالم الرياضي ثيودوروس القوريني، وكذلك الفيلسوف أريستيبوس القوريني مؤسس المدرسة القورينية في الفلسفة والتي ركزت على مبدأ اللذة كهذف للحياة.
وهناك سبب وجيه يؤكد حدوث تلك الزيارة حيث أن أفلاطون بعد عودته لأثيناا قام بإنشاء أكاديميته التي جمع فيها بين تعليم الفلسفة والرياضيات وجعل تعليم الرياضيات شرطا أساسيا للدراسة في الأكاديمية، متاثراً في ذلك بزيارته لقورينا.
رحلة أفلاطون لجنوب إيطاليا
بعد رحلة أفلاطون إلى قورينا توجه إلى جنوب إيطاليا حيث زار مدينة تارنتوم Tarentum و مدينة لوكري Locri كما زار مدينة كروتونا Croton، وذلك تقريبا في الفترة من 397 وحتى 390 ق.م.
التقى أفلاطون في إيطاليا الفيلسوف الفيثاغورثي أرخيتاس وكان هو حاكم المدينة حينها، وتوطدت العلاقة بينهما كثيراً حتى أصبحا صديقين، وقابل أفلاطون اتباع فيثاغورس.
كان الفيثاغورثيين يتبعون نظاما صارما في حياتهم ولهم مباديء أخلاقية روحية تؤمن بتناسخ الأرواح ويهتمون بالرياضيات والموسيقى لنقاء النفس وتنمية العقل ولهم نظام حكم نخبوي ارستقراطي.
ظهر تأثير رحلة أفلاطون على فكره الفلسفي بعد عودته لأثينا ولا سيما في كتابه الجمهورية حيث وضع نظام سياسي للحكم يكون فيه الحاكم فيلسوفاً ويكون المجتمع المثالي تحكمه النخبة.
رحلة أفلاطون الأولى إلى صقلية
قام أفلاطون بثلاث رحلات إلى مدينة صقلية، كانت الرحلة الأولى منها خلال تنقلاته وأسفاره في البلاد قبل عودته لأثينا، أما عن الرحلتين الأخيرتين قام بهما بعد عودته لأثينا.
بالنسبة للرحلة الأولى انتقل أفلاطون من إيطاليا إلى صقلية عام 388 ق.م، وكانت تلك الزيارة بمثابة مغامرة سياسية خطرة، كانت تحديدا في مدينة سيراقوستة أو سيراكيوز Syracuse وكان الحاكم يدعى ديونيسيوس الأول.
حاول أفلاطون تطبيق فكرته عن الحاكم الفيلسوف، فتقرب من ديونيسيوس لتعليمه الفلسفة وأفكاره عن العدالة، وإصلاح نظام الحكم ،ولكن الأخير لم يتقبل تلك الأفكار.
كان ديونيسيوس من الحكام الطغاة الذين يستبدون بالشعوب والضعفاء ويكره الفلاسفة، وبذلك انتقده أفلاطون في سياسته ونظام حكمه الفاسد، و ساءت بينهما العلاقة حتى بطش به ديونيسيوس الحاكم وباع أفلاطون لأحد التجار على أنه عبد من العبيد. المصدر
قام أحد أصدقاء أفلاطون بتخليصه من الأسر والعبودية، وبالطبع فشل أفلاطون في محاولته الأولى بتحقيق حلمه بأن يكون الحاكم فيلسوفاً، وقد علق أفلاطون على ذلك بعدها بقوله أن الحكام لا يرغبون إلا في الحفاظ على سلطتهم لا في طلب الحقيقة.
رحلتا أفلاطون الثانية والثالثة إلى صقلية
قام بهما أفلاطون أثناء تدريس وتعليم الطلاب في الأكاديمية في الفترة ما بين 367 - 361 ق.م، حيث دعاه الحاكم ديونيسيوس الثاني إلى صقلية لكي يتعلم منه الفلسفة، وذلك بعد موت الحاكم المستبد ديونيسيوس الأول.
في كلتا الزيارتين فشل أفلاطون في محاولة التطبيق العملي للحاكم الفيلسوف، بسبب الصراعات السياسية التي نشبت في البلاد في تلك الفترة بالإضافة إلى اتهام الحاكم بالخيانة.
بعد إخفاق أفلاطون فى تحقيق حلمه وفشل محاولاته اضطر أفلاطون إلى مغادرة صقلية وأيقن بصعوبة تطبيق الفلسفة عملياً أو صناعة الحاكم الفيلسوف، لذا ركز على تلقينها نظرياً للطلاب في الأكاديمية، وظل كذلك حتى توفي عام 347 ق.م.
عودة أفلاطون إلى أثينا
بعد اثنتي عشر عاما من السفر والتجول والترحال، وتحديداً عام 387 ق.م عاد أفلاطون إلى وطنه أثينا وليس به معلمه سقراط، عاد إليها ليس تلميذاً بل معلما وفيلسوفاً، و مزوداً بالكثير من العلم والخبرة والمعرفة فأنشأ الأكاديمية ووضع في طلابه عصارة فكره وفلسفته، ومنها تخرج الفيلسوف أرسطوالخاتمة
رحلات الفيلسوف أفلاطون بعد موت سقراط، كانت بمثابة تربية عقلية وفكرية وفلسفية لأفلاطون، فقد رحل من أثينا وفي جعبته القليل من الحكمة و لكنه عندما عاد إليها كان معلماً وفيلسوفاً وحكيماً أثر فكره وفلسفته على بناء جيل من الفلاسفة العظام مثل أرسطو!
وإذا أردت أن تتعرف على ولادة أفلاطون ونشأته فعليك القراءة.
المصادر
جمعت لك محتوى المقالة من كتاب موسوعة أعلام الفلاسفة-أفلاطون سيرته وفلسفته - إعداد احمد شمس الدين
رحلات الفيلسوف أفلاطون بعد موت سقراط، كانت بمثابة تربية عقلية وفكرية وفلسفية لأفلاطون، فقد رحل من أثينا وفي جعبته القليل من الحكمة و لكنه عندما عاد إليها كان معلماً وفيلسوفاً وحكيماً أثر فكره وفلسفته على بناء جيل من الفلاسفة العظام مثل أرسطو!
وإذا أردت أن تتعرف على ولادة أفلاطون ونشأته فعليك القراءة.
المصادر
جمعت لك محتوى المقالة من كتاب موسوعة أعلام الفلاسفة-أفلاطون سيرته وفلسفته - إعداد احمد شمس الدين
ويكيبيديا