تقنية الليدار وكشف الأسرار عن معبد أنغكور وات في كمبوديا

يعد معبد انغكور وات في كمبوديا من أروع المعالم الأثرية في العالم والذي يبلغ عمره أكثر من ألف عام، وهو من أطلال حضارة الخمير الثرية جدا في الماضي البعيد، فإذا كنت تنوي القيام بجولة سياحية في معبد أنغكور وات بكمبوديا لا تذهب قبل أن تقرأ المقالة.

معبد أنغكور وات في كمبوديا

ظل معبد انغكور وات طي النسيان في وسط الغابات لا يعلم أحد عنه شيء، حتى جاء علماء الآثار وكشفوا أسراره المخفية منذ قرون طوال مضت، لكن هل كان هذا الاكتشاف سهلا؟ وهل تم بطرق التنقيب التقليدية أم بطرق حديثة متطورة؟

دور التكنولوجيا الحديثة في كشف أسرار معبد أنغكور وات في كمبوديا


كان معبد انغكور وات في بداية اكتشافه يمثل كابوساً لعالِم الآثار ووصل العلماء لطريق مسدود لأن أطلاله واسعة جدا ومتقنة ولم تفلح طرق التنقيب التقليدية في معرفة مقاييسها فلم يستطيعوا توثيقها أو التعرف عليها بالكامل.

بعد فشل طرق التنقيب التقليدية لجأ علماء الآثار إلى استخدام تقنية جديدة وهي الإستشعار عن بعد والتي تتم باستخدام الطائرات أو الأقمار الصناعية أو الرادار.

في البداية استخدموا الطائرات والأقمار الصناعية ولكن تلك التقنية كانت تتطلب معرفة وتخطيط الأماكن الطبيعية المحيطة بالمعبد، ولما كانت المنطقة المحيطة بالمعبد عبارة عن غطاء نباتي كثيف وغابات مطيرة.

وجد العلماء أنه من الصعب تخطيطها لأنهم يحتاجون خطوط رؤية مستقيمة، وهذا يتطلب عدد غفير من العمال وقطع الأشجار مما أدى إلى فشل استخدام تقنية الإستشعار عن بعد والتي تعتمد على الطائرات أو الأقمار الصناعية.

اضطر العلماء إل تجربة نوع آخر من تقنيات الإستشعار عن بعد وهى تقنية الليدار LIDAR، وتعد هذه التقنية منخفضة التكلفة مقارنة بالمسوحات الميدانية التقليدية كما يمكن استخدامها على سطح الأرض.

وتقنية الليدار تقنية تكنولوجية حديثة وتعد شكل من أشكال المسح الضوئي بالليزر، وتعمل عن طريق إرسال شعاع ضوئي يرتد عن الجسم المستهدف ويعود إلى المصدر،وبعد قياس الوقت الذي يستغرقه الضوء للإنتقال من وإلى المصدر.

ويمكن حساب المسافة الدقيقة ومن ثم تجميع بيانات صحيحة للغاية عن المنطقة، وهذه التكنولوجيا الحديثة مثالية للإستكشاف الجوي للمواقع الكبيرة التي تقع في الغابات مثل معبد أنكور وات.

يرسل الجهاز الذي يعمل بتلك التقنية ما يصل إلى 600 ألف نبضة من الضوء في كل ثانية ما يسمح له بإختيار أوراق الشجر والنباتات والوصول إلى المواقع الأرضية الموجودة تحته.

كما يمكن لتلك التقنية أن تسجل البيانات عن المنازل والمعابد وغيرها من الهياكل الموجودة تحت مظلة الغابات الكثيفة.

تم البدء في استخدام تقنية الليدار عام 2012 م حيث عمل العالم داميان إيفانز ومجموعة من علماء الآثار مثل كريستوف بوتييه و رولاند فليتشر مع المنظمة الكمبودية المسؤولة عن معبد أنغكور وات.
معبد أنغكور وات


وقام فريق آخر من الباحثين المتخصصين من أستراليا و أوروبا وكمبوديا والولايات المتحدة الأمريكية، بتوحيد جهودهم في العمل باستخدام أجهزة الليدار التي تخترق الأرض سيراً على الأقدام.

كشف أسرار معبد أنغكور وات

تمكن العلماء من رسم خريطة منطقة أنغكور وات ومحيطها بالإضافة إلى مساحات كبيرة من المنطقة الحضرية الموجودة حول المعبد، واتضح أن المعبد أكبر بكثير، ويحوي تفصيلاً أكثر مما تخيله أي عالم آثار.

وبفضل تقنية الليدار تمكن العلماء كايمان إيفان و رولاند فيلتشر وزملاؤه من تغيير كامل لتصوراتنا عن حضارة الخمير الثرية جدا بعد كشف أسرار معبد انغكور وات والتي نذكرها فيما يلي:

تم الكشف عن أن المعلم الحضري الذي يحيط بالمعهد لا تقل مساحته عن 1000 كيلو متر مربع، وقدر العلماء عدد سكانها بنحو 750 ألف نسمة.

في باديء الأمر أعتقد العلماء أن الأشخاص الذين سكنوا المعبد و المنطقة الحضرية هم من النخبة الثرية العاملين في بلاط الحاكم، لكن بعد إجراء المساحات بتقنية الليدار أشارات النتائج إلى مناقضة هذا الإفتراض.

أشارت نتائج البيانات أن حوالي أربعة آلاف شخص قد عاشوا في المنطقة الرئيسية في أنغكور وات كما أن هؤلاء الناس كانوا يقطنون في مساكن متواضعة بُنيت من مواد سريعة التلف، وهذا يشير إلى أنه ربما لم تكن النخبة الثرية هي التي سكنت بالقرب من المعبد لكن كان يسكنها موظفو المعبد من الكهنة والراقصين والمسؤولين.

من خلال نقوش معبد انغكور وات المكتوبة على الجدران تمكن العلماء من معرفة عدد الموظفين العاملين حينها بنحو 25 ألف فرد كان يعيش معظمهم خارج المنطقة الرئيسية أو قريباً جداً منها، وأن هناك خمسة أضعاف هذا العدد يمثل الأشخاص الذين كانوا يعملون في توصيل الغذاء والمنتجات وعاشوا جميعهم في الضواحي.
نقوش معبد أنغكور وات

قدمت تقنية الليدار وجمع عينات من التربة والمسح الأرضي وعمليات التنقيب الانتقائية الكشف عن شبكة تضم حوالي 300 بركة مياه منزلية صغيرة تخترق الجدران المحيطة.

بفضل تقنية الليدار توصل العلماء إلى أن المعابد الرئيسية توجد وسط شبكة ضخمة من القنوات والبرك و منازل وحقول الأرز و الخزانات، و يبلغ طول أحد الخزانات المعروف باسم " غرب باري" 8 كيلومترات وعرضه 2 كيلومتر.

كشفت النتائج أنه قد أنشئت شبكة طرق متطورة في موقع أنغكور وات قبل نصف قرن من بناء موقع أنغور ثوم المجاور له، وأنها امتدت إلى أبعد من المزارات العظيمة لتشمل جميع معابد أنكور النائية.

كما امتدت تلك الشبكة من الطرق لتمر عبر المناطق المترامية الأطراف لمنطقة أنغكور الكبرى حيث المكان الذي يعيش فيه معظم السكان.

كان علماء الآثار يعتقدون أن المدن القديمة مثل أثينا و أور السومرية كانت كيانات مدمجة ذات كثافة سكانية عالية، لكن دراسات العالم غوردن ويلي الأولية عن المعالم الطبيعية لحضارة المايا وما تم الكشف عنه في موقع أنغكور، أكد على وجود مدن متفرقة غير محمية بأسوار في المناطق الإستوائية.

وصف معبد أنغكور وات

يمثل معبد أنغكور وات عاصمة امبراطورية الخمير القديمة في خلال القرن الثاني عشر، ويقع في مدينة أنغكور الحالية وكانت تسمى قديما مدينة " ياسودهارابورا " كما أن صورة المعبد نجدها حاليا بارزة على العلم الوطني كرمزاً لكمبوديا منذ إصدار العلم عام 1862 م.

معبد أنغكور وات هو أكبر معبد في العالم، يقع على مساحة 1,626,000 متر مربع، وكل جزء من تفاصيل هذا البناء يعكس أسطورة الخمير

في خريطة معبد أنغكور وات تبلغ مساحة المبني المركزي وحده 215 متراً طولاً و186 متراً عرضاً ولكي تصل إليه لا بد أن تعبر جسراً طوله 1500 متر فوق الخندق المائي.

يمثل المعبد ضريح ضخم يقع بالقرب من نهر ميكونغ في كمبوديا ويطل على بحيرة تونلي ساب العملاقة، و تعني كلمة أنغكور وات " مدينة المعبد " في اللغة الخميرية، وكان الإسم الأصلي لمعبد أنغكور وات هو " باراما فيشنولوكا " وتعني المسكن المقدس للمعبود الهندوسي "فيشنو".
شكل معبد أنغكور وات

المعبد محمي بجدران منخفضة مزينة برسوم ثعابين أسطورية متعددة الرؤوس، وهناك رسوم المناظر معركة تخلد الفتوحات التي قام بها الملك ومشاهد رقص لحوريات جميلات تعد بحياة في العالم الآخر.

يحتوي المعبد على برج مركزي يبلغ ارتفاعه 60 متراً فوق سطح الأرض و تحيط به ثلاث طبقات من الساحات والمعارض والغرف وتُظهر النقوش المرسومة على جدران معبد أنغكور وات الملك وهو يستقبل المسؤولين في أحد المواكب.

كان المعبد يحتوي على مرصد فلكي ومكان دفن ملكي و معبد، وكل شيء موجود كان ذا مساحات وحجوم هائلة، وكان كل شيء يتعلق بمعبد أنغكور وات له رمزية كونية ودينية عميقة.

تم بناء المعبد وفقا لنظرة أقوام الخمير للكون والعالم، فكان العالم في اعتقادهم عبارة عن قارة كبيرة مركزية أطلقوا عليها " جامبو دفيبا" ويرتفع من وسطها جبل يدعى ميرو.

وقد تم بناء البرج المركزي ليحاكي ارتفاع القمة الرئيسية لجبل ميرو، ويشير الجدار الضخم المعبد إلى سلسلة الجبال التي تحيط بالقارة ويمثل الخندق المائي المحيط بمكان دفن الملك منطقة ما بعد المحيط الأسطوري في اعتقادهم.

تاريخ بناء معبد انغكور وات

يعود تاريخ بناء معبد أنغكور وات إلى الملوك الذين أسسوا حضارة الخمير هم الجماعة العرقية الغالبة في كمبوديا كانوا يطمحون لإقامة إمبراطورية قوية وأكثر استقراراً وذات ثراء، وكانوا يعدون أنفسهم بمثابة حكاماً إلهيين لكامبوديا.

قامت جماعة الخمير ببناء ببناء القصور والأضرحة أو المعابد للآلهة في اعتقادهم، فكان معبد أنغكور وات مخصص للمعبود الهندوسي " فيشنو ".

من أهم المعابد الباقية حنى الآن من حضارة الخمير والذي يعد من أهم معالم كمبوديا هو معبد أنغكور وات والذي تم بناءه في عهد الملك سوريافارمان الثاني 1113__ 1150 م وكان المعبد بمثابة معبد هندوسي وضريحاً للملك.

بدأ العمل في بناء معبد أنغكور وات عام 1122 م واكتمل البناء في عام 1150 م، وفي نهاية القرن الثاني عشر تحول المعبد من معبد هندوسي إلى معبد بوذي، ولا يزال مركزاً للبوذية في كمبوديا حتى اليوم.

بناء معبد أنغكور وات في كمبوديا

بعد وفاة الملك سوريافارمان الثاني حدثت إضرابات سياسية وتم التخلي عن معبد أنغكور وات كواجهة للمملكة.

في عام 1151 م تولي العرش الملك جايافارمان السابع البوذي والذي أمر ببناء معبد أنغكور ثوم والذي أصبح عاصمة للمملكة بقدر ما كان ضريحاً له.

تم إدراج مدينة أنغكور كموقع أثري من منظمة اليونسكو للتراث العالمي واهتموا بترميم منطقة المعابد الأثرية فيها وذلك عام 1992 م، وأصبح المعبد يجذب أكثر من 2,5 مليون زائر سنوياً.

إزدهار حضارة الخمير القديمة

كانت حضارة شعوب الخمير من أكثر الحضارات التي عُرفت بثرائها في الفترة ما بين 802 م إلى عام1430 م بعد الميلاد، وكان من أسباب ذلك وجودها على نهر ميكونغ الذي كان يفيض ماؤه في الفترة ما بين شهر آب وتشرين الأول.

ونتيجة هذا الفيضان كان يزداد منسوب المياه في بحيرة تونلي ساب العملاقة وتزداد عمقاً لتبلغ 16 متراً وتزيد مساحتها لتبلغ 180 كيلومتراً، وعند انتهاء الفيضان ينخفض مستوى البحيرة وتظهر ملايين من أسماك السور وغيرها في المياه الضحلة، مما زاد من نشاط الصيد.

وكان هذا الفيضان يزيد ايضاً من خصوبة التربة لما يتركه من طمي ويجعلها مثالية لزراعة الأرز، ويخلق بيئة زراعية منتجة يعمل بها آلاف المزارعين.
الخاتمة 
كتبت تلك المقالة لك لأنك ذات يوم قد تسافر إلى كمبوديا في رحلة عمل أو في جولة سياحية لذلك أردت أن تتعرف على أشهر معلم سياحي في كمبوديا وهو معبد أنغكور وات .
وفي المقالة تعرفنا على أهمية ودور تكنولوجيا الليدار في كشف غموض وأسرار معبد أنغكور وات،  كما تناولنا وصف معبد أنغكور وات وتاريخ بنائه، وإذا أعجبتك المقالة قل لنا هل تتمنى أن تذهب في جولة سياحية لكمبوديا ومتى تنوي ذلك؟!

المصادر
تم تجميع محتوى المقالة من كتاب مختصر تاريخ الأركيولوجيا
التحقق من التواريخ وأسماء الملوك بواسطة ويكبيديا  


رحاب يعقوب عباده
رحاب يعقوب عباده
تعليقات