اكتشف كيف بدأت موهبة دوستيويفسكي ولماذا استقال من الوظيفة، إن كنت مهتماً بمعرفة معلومات عن بداية موهبة الأديب الروسي الشهير فيدور دوستيويفسكي، وكذلك الأسباب التي دعته لتقديم استقالته فتابع القراءة!


اكتشف كيف بدأت موهبة دوستيويفسكي ولماذا استقال من الوظيفة
كان الكاتب الروسي فيودور دوستيويفسكي صاحب موهبة فذة واستثنائية لا مثيل لها وضعته في مصاف الأدباء العالميين والمؤثرين على مستوى العالم. وكانت أعمال دوستيوفيسكي مصدر إلهام للعديد من الأدباء والمفكرين والفلاسفة، وفي المقالة نتعرف على بداية موهبة دوستيويفسكي حتى ظهور أول رواية له.دوستيويفسكي ومشروع الترجمة
كان دوستيويفسكي ينظر للكاتب بلزاك مؤلف المهزلة البشرية على أنه معلمه الأول لزمن طويل، وفي يوم 17من شهر يوليو عام1843 جاء الكاتب بلزاك في زيارة إلى مدينة سان بطرسبورج الروسية.كان لتلك الزيارة غير المتوقعة وقعها على نفس دوستيويفسكي إذ فرح بشدة وأثارت فيه الحماسة وقرر على الفور أن يترجم رواية بلزاك وهي رواية " أوجيني جرانديه "، ولعلها تكون مصدر يحصل منه على نقود تسد عجزه المالي.
بعد أن أتم دوستيويفسكي ترجمة الرواية لم يجد معه النقود لكي يقوم بنسخها إذ كانت حياته المالية متعثرة ويقع في ضائقة لا يعرف كيف يخرج منها.
ولكي يحصل على النقود كتب إلى أخيه ميشيل أن يرسل له 35 روبيلاً حتى يتمكن من طباعة ونسخ الترجمة التي قام بها لرواية الكاتب بزاك.
وأخبره أن الترجمة لا مثيل لها وتعد أعجوبة فنية، كما أنه توقع أن يكسب منها 350 روبيلاً على الأقل في صورة حوالات حكومية، ووعد أخاه ميشيل في رسالته بأن نصف ما سيناله من الترجمة سوف يرسله له على الفور.
وبالفعل تم نشر الرواية في مجلة الريبرتوار Le Repertoire ولكن دوستيويفسكي فوجيء بأن رئيس التحرير حذف منها ثلث الترجمة فأغضبه ذلك الصنيع ووصف ذلك بالخيانة المتعمدة.
وفي ذلك يقول النقاد أن دوستيويفسكي هو الذي خان بلزاك لأنه لم يلتزم في ترجمته بنص الرواية الأصلية التي كتبها بلزاك ومضمونها فقط، بل نجد أنه في ترجمته ضخم المشاعر والعواطف وزاد فيها الكثير من الصفات وجعل للرواية جو شاذ و غريب.
بعد أن أدرك دوستيويفسكي أهمية الترجمة وما قد تدره عليه من نقود كتب لأخيه ميشيل ونصحه أن يقوم هو الآخر بترجمة رواية "دون كارلوس " للكاتب شيلر، وبالفعل أُعجب ميشيل بالفكرة وترجم الرواية.
أرسل ميشيل الترجمة إلى دوستيويفسكي لنشرها في المجلة، وعندما قرأها دوستيويفسكي أعجبته كثيراً ولكنه قام ببعض التعديلات الطفيفة عليها والتي أخبر بها ميشيل ثم قدمها للمجلة.
فكر دوستيويفسكي في مشروع ترجمة كل أعمال الكاتب شيلر وذلك على ثلاث دفعات و أن يتكفل هو بنفقات الطباعة إن تيسر له ذلك ولا يجعل للمجلة سلطة على الترجمة وبالتالي لا تستطيع حذف أجزاء من العمل.
للأسف فشل مشروع ترجمة أعمال شيلر الذي قرر دوستيويفسكيان يقوم به لان عمله الوظيفي كان يقف حائلاً بينه وبين إتمام المشروع، فقد كان هذا العمل يبعث في نفسه الضجر والملل ويزعجه كثيراً وهو الذي يحب العزلة والإنطواء.
استقالة دوستيويفسكي من وظيفة الهندسة العسكرية
في تاريخ 30 سبتمبرعام 1844 م قرر دوستيويفسكي أن يترك عمله ويقدم استقالته من وظيفة الهندسة العسكرية من أجل الكتابة و للتفرغ لعمل مشروع ترجمة أعمال شيلر الكاملة الذي يتوق إلى إنجازه بأي طريقة كانت، وفي ذلك كتب لأخيه ميشيل يقول:" إني في وضع جهنمي وسأشرح لك ذلك: لقد استقلت لأن... بل لأني أقسم لك إني لم أعد أستطيع متابعة خدمتي، لقد أرادوا إرسالي بمهمة، ولكن قل لي كيف يمكنني مغادرة سان بطرسبورج والإستغناء عنها؟ "
في ذلك الوقت تم إرسال مبلغ 500 روبيل له من الوصي على عائلته في موسكو وهي قليلة ولا تكفيه وخاصة بعد الإستقالة لأن فيدور دوستيويفسكي كان مثقلاً بالديون ولا يدري كيف يستطيع تأمين احياجاته المعيشية.
أصبح فيدور دوستيويفسكي في وضع ميئوس منه وكان يتخبط في محاولات للقيام بمشاريع ترجمة ومشاريع اقتباس غير واضحة ومشوشة وغريبة، أشعر بالفشل والإحباط و بدأ ينزوى على نفسه أكثر وأكثر.
في زاوية أحد الشوارع التقى فيدور دوستيويفسكي برفيقه في المدرسة سابقاً ويدعى غريغوروفيتش. وبعد أن تعانق الصديقان بحرارة تحدث فيدور معه عن آماله ومشاريع الترجمة التي كان يخطط لها أما صديقه فقد أخبره أنه يكتب وينشر مقالات وينال مكآفات مقابل ما يكتبه.
انبهر كل واحد منهما بالآخر فقد أُعجب فيودور دوستيويفسكي به وأُعجب الصديق بحماسته وطموحه وتفاهما من اللحظات الأولى للحديث بينهما وتبادلا الزيارات، ثم استأجرا منزلاً وأقاما فيه سوياً.
إشارة الإلهام التي بها تكشفت موهبة دوستيويفسكي
كان فيدور دوستيويفسكي يمشي على ضفاف نهر النيفا ملتفا بالآمال والأحلام وكان البرد حينها في تلك الليلة على اشده البرد وقد خيمه الظلام، في تلك الأثناء تكشفت له حياة جديدة يقول عنها:" فكرة غريبة خطرت على بالي،... وبدا لي أني فهمت في تلك الدقيقة شيئا سبق لي أن شعرت، به دون أن أعبر عنه أبدا، وبدا لي أني قد استيقظت للتو في عالم جديد، غريب عني وبالنسبة لي ولم أكن أعرفه حتى ذلك الحين إلا عن طريق قصص وحكايات غامضة و بواسطة اشارات خفية واعتقد أني منذ تلك اللحظة بدات حياتي الحقيقية".
في منتصف عام 1844 م بدأ دوستيويفسكي في كتابة عمل لم يقل عنه شيئا لأحد حتى أن صديقه غيرغوروفيتش كان يرى أوراقا مكتوبة على المنضدة الخاصة به دون أن يدري عن أي شيء يكتب دوستيويفسكي.
انكب فيودور ديستيويفسكي على الكتابة باستمرار وحماس يومياً دون انقطاع إلا من فترات يخصصها للقراءة حتى بدا عليه التعب، وكان صديقه يشجعه على محاوله القيام ببعض التمارين الرياضيه خارج المنزل وما إن خرجا حتى شعر فيدور بالتعب والاجهاد وشحب وجهه واضطرا للعودة للمنزل.
في أحد الأيام وأثناء سيرهما صباحاً في أحد الشوارع شاهد دوستيوفيسكي جنازة كانت تمر بجواره ووقعت عينه على وجه الميت في التابوت فارتعش دوستيويفسكي والتفت الى الوراء محاولا الهرب.
ولكنه إنهار عند أول خطوة وأصابته هزة عنيفة وأحاط به الناس وساعدوا صديقه على نقله الى محل قريب لبيع الألبان وبصعوبة كبيرة توصلوا لإنعاشه، وكانت هذه ثاني مرة يتعرض فيها لنوبة صرع بعد مقتل والده ميخائيل.
كان لهذه النوبة من الصرع تأثيرها الحاد على نفسية دوستيويفسكي فأصبح مكتئباً خائر القوى وشارد الذهن وبالكاد يستطيع الكلام ولم يعد يريد أن يكتب شيئاً.
بعد مضي فترة من الوقت استعاد فيودور إتزانه وبدأ الكتابة من جديد وأراد أن يخبر ميشيل بذلك فكتب له رسالة يخبره فيها بأمر العمل الذي يقوم عليه الآن، وحتى تلك اللحظة لم يقل لأحد بهذا الأمر سوى ميشيل فقط.
نشر أول رواية لدوستيويفسكي
في شهر فبراير من عام 1845 م قام بالتصحيح والإضافة والحذف والمراجعة وفي منتصف شهر مارس من نفس العام أنجز الرواية ثم كتب لميشيل رسالة في تاريخ 24 مارس عام 1845 م يقول له فيها أنه مسرور تماما وراض عن روايته وأنها عمل بسيط وواضح.بدأ فيودور يفكر كيف ينشر روايته واستشار بعض الأصدقاء فنصحوه ألا ينشر على نفقته الخاصة لأنه حينها لن يجد مَن يعلن له عن الرواية ولا مَن يقوم بالدعأية له بين الجماهير.
قدم الرواية الى المجلة لكنه كان خائفا من الانتقادات أو أن تتعرض فكرته التي اختارها للرواية أي فكرة رواية الفقراء للموت والإهمال، و لم يتم نشر الرواية للجمهور وظهورها للعلن إلا بتاريخ 15 يناير عام 1846 م.
وفي تلك الأثناء علا نجم فيودور دوستيويفسكي ونال شهرة كبيرة داخل الأوساط الأدبية واعترف الجميع بموهبته الفذة وأن مستقبله في الكتابة والتأليف يُنبيء عن كاتب مبهر ليس له مثيل في فهم النفس البشرية.
الخاتمة
تناولت في تلك المقالة بداية موهبة فيودور دوستيويفسكي واتخاذه الترجمة كوسيلة لكسب المال من أجل العيش، ثم اشتغاله على مشروع ترجمة أعمال شيلر والذي فشل بسبب عمله الوظيفي، وعرضنا لإستقالته من الوظيفة من أجل العمل بالترجمة والكتابة كما بينا اللحظة التي انبثقت فيها موهبته العظيمة والتي تجلت في أولى رواياته وهي الفقراء.
ترجمة علي باشا
المصادر
تم تجميع محتوى المقالة من كتاب دوستيويفسكي _ حياته وأعماله
تأليف هنري تروياترجمة علي باشا